کد مطلب:163916 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:177

ماذا تعنی الاستقامة
ان الاستقامة صعبة علی أولئك الذین لیسوا متصلین بروح الله، ولا بنروه، أما بالنسبة الی المؤمنین فیضحكون ویستبشرون بما أتاهم، ولا یعنی الضغط بجمیع أشكاله وألوانه شیئاً بالنسبة الیهم، فیتمثل أحدهم أمام الحجاج بن یوسف الثقفی، ویقول: كیف أقتلك؟ فیجیبه: یاهذا أنظر لنفسك واختر أنت كیف تریدنی أن اقتلك فی یوم القیامة!! فتجاوز كل عقبات الخوف والارهاب، وقال ورأی المستقبل فی یوم القیامة، لان یعلم أن الحجاج لا یملك شیئاً، وان هذا الظالم إنما یقضی فی هذه الحیاة الدنیا، كما قال السحرة التائبون الذین كانوا حول فرعون:

قال الله تعالی:

«فاقض ما أنت قاض إنما تقضی هذه الحیاة الدنیا» (72/طه).

ان هذه هی حقیقة الاتصال بالله، ولهذا فتری أصاحب الامام الحسین (ع) فی كربلاء، كما جاء فی الاحادیث لم یكونوا یشعرون بحر الحدید، وفی الواقع ان أجسامهم لم تتبدل الی أجسام أخری تحس بتعذیب الظالمین، ولكن شوقهم الی الجنة، واتصال أرواحهم بنور الله تعالی، جعلهم لا یتأثرون بثقل الحدید، ولا بالقتل الشنیع.

أحدهم كان فی أتون المعركة وفی حر الصحراء الشدید، والاعداء محیطون به یرشقونه بالنبال كوابل المطر، وجراحاته تنزف وتقطر دماً، ومع ذلك ینظر الی السماء ثم یقول یا أبا عبد الله هذا وقت الصلاة وأرید أن أصلّی آخر صلاة لی وراءك یا أبا عبد الله.. ما هی هذه الروح؟

فی أشد لحظات حیاته لا ینسی الصلاة، بل ولا ینسی مستحباتها، ویرید أن یصلی الصلاة جماعة، فیقول له الامام الحسین: أحسنت ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلین، فبشره بأنه یحتسب عند الله تعالی من المصلین، فوقف الامام الحسین فی یوم عاشوراء بعد أن قتل أصحابه یصلی صلاة الظهر.

هؤلاء هم الصفوة الذین اتصلت أرواحهم بنور الله، فمنحهم الله الاستقامة، والحركات الاسلامیة الیوم الذین یریدون تحریر بلادهم وشعوبهم بل وسائر الجماهیر من رجس الطغاة والانظمة الفاسدة، علیهم أن یحرروا الانسان من الجبت والانحرافات العقائدیة، ومن الغفلة، والنسیان، ومن حب الدنیا، ومن التورط فی الشهوات.

والحركات الرسالیة تتحمل صعوبات أكبر، لان أهدافها أكبر، ولانها لا ترید فقط تحریر الارض، بالرغم من ان تحریر الارض شیء عظیم، ولكنه لیس الهدف الاساسی، وإنما الهدف هو تحریر الانسان، وهذا الهدف لا یتحقق الا بعد ازالة الطغاة، ولكن لا یعنی ذلك ان هذا هو الهدف الاول والاخیر، فیحررون الارض ویحررون الانسان، بل وقبل ذلك وأهم من ذلك أن یحرروا أنفسهم من ضغط الشهوات، ومن أغلال النفس وقیود الجبت.

ان الجهاد فی سبیل الله تعالی، والصراع مع الاعداء ینعكس علی النفس البشریة، فالانسان الذی یجاهد فی سبیل الله تعالی مخلصاً یكون الجهاد بالنسبة الیه معراجاً یعرج بروحه الی الله تعالی.

«والذین جاهدوا فینا لنهدینهم سبلنا» (69/العنكبوت).

ان الذین یجاهدون فی سبیل الله، یعرفون الطرق المؤدیة الی الله سبحانه وتعالی، وهذا هو هدف الانبیاء (ع)، وفی كربلاء نجد نماذج من هذه الاستقامة، ومن هذا النوع الجهاد، وأبعاد استقامة الامام الحسین (ع) فی یوم عاشوراء من خلال قراءة دعاء عرفة والتدبر فیه، وخصوصاً فی كلمته التی یقول فیها:

«فان لم تكن غضبت علیّ فلا أبالی سبحانك غیرك ان عافیتك أوسع لی».

والعافیة أحسن من المرض، والسلم أفضل من الحرب، والامن أفضل من الخوف، ولكن لیس هذا هو الهدف الأساسی، إنما الهدف الاساسی هو الرضا، جاء رجل للامام جعفر الصادق (ع) وقد سأله الامام: كیف أصبحت؟ فقال: «یابن رسول الله أصبحت والمرض أحبّ الیّ من الصحة والفقر أحبّ الیّ من الغنی، والخوف أحبّ الیّ من الامن» فقال له الامام (ع): (أما نحن فلسنا كذلك) فقال الرجل: كیف؟ قال الامام(ع): (نحن اذا أراد لنا الله الخوف، فالخوف أحب الینا من الامن، واذا أراد لنا الامن، فالامن أحب الینا من الخوف، واذا أراد لنا العافیة، فالعافیة أرضی لنا، واذا أراد لنا المرض، فالمرض أرضی لنا، ما یریده الله نحن نریده، أو نحبه).

هذا معنی كلام الامام الحسین فی دعاء عرفة، وهو هدف یجب أن نضعه نصب أعنییا دائماً.